النشر الالكتروني
"النشر الالكتروني سيُغيّر بشكل جذري وتدريجي ملامح عالم النشر كما نعرفه اليوم".
ليس هذا رأيًا شخصيًا، بل مقولة تتردّد كثيرا على صفحات الدوريات الثقافية الغربية في شكل نبوءةٍ لاتمت بصلة إلى تداعيات الخيال الأفلاطوني. فالمسألة اليوم على مايبدو لم تعد تتعلّّق بشرعية هذا النشر أوانتشاره أو قدرته على البقاء ؛ هذا الموضوع قد حُسِمَ برأي الكثيرين وتم الانتهاء من مناقشته. بل تتعلّق بمقدار التأثير والتغيير الذي سيحدثه النشر الالكتروني وانتشار استعمال الأنترنيت – في البلدان العربية خاصة- على النص الطباعي التقليدي وعلاقته مع قارئه ( التقليدي أيضا) في هذه الحقبة من تطور البشرية.
إذا أخذنا بالأرقام التي يذكرها الباحث التونسي الأستاذ الحبيب الإمام في كتابه "الاقتصاد الثقافي"، نقرأ أن معدل نشر الكتاب في العالم العربي لم يتجاوز نسبة 0.7 % بحساب النسبة المئوية لحركة نشر الكتاب في العالم في حين تصل نسبة النشر بأوروبا إلى 54% و23% في آسيا حسب آخر تقارير اليونسكو. وضمن متعة استعراض الأرقام الدالة على الحركة الثقافية العربية، نقرأ أنه في مجال توزيع الصحف عبر العالم لم يتجاوز نصيب الدول العربية 1.52%، بينما تتجاوز نسبة توزيع الصحف في أوروبا 24%.
طبعًا لاأحد ينكر ارتباط هذه الأرقام بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي، ولكن تصدمنا هذه الأرقام في حجم تخلفها عن الأرقام العالمية.
تى ظهور الكومبيوتر في منتصف القرن العشرين، ونتاجاته المتمثلة بالنشر الالكتروني وغيره، ليشكل امتدادًا للثورة الطباعية، وإذا أردنا التركيز على قراءة النتاج الأدبي، فمن الصعب على أي شخص إعطاء أرقام دقيقة عن أعداد القرّاء لقصيدة شعرية عبر الأثير، لكن تواجهنا الصعوبة نفسها في تقدير عدد القراء لنفس القصيدة لو كانت منشورة في إحدى الملاحق الثقافية لإحدى الصحف. ويبقى في خانة المتحمسين للنشر الالكتروني قدرة التأكيد على الأقل أن أي نص عبر الأنترنيت سيكون بالإمكان قراءته في أماكن ومن قرّاء لاتحلم أي مطبوعة بالوصول إليهم. هذه الحريّة في الإبداع وهذا السحر الخاص المُلازم لفورية وعفوية النقل والتلقي يقذفان بنا ضمن هذا الوسط الجديد في مغامرة من نوع جديد، من الصعب الحكم عليها بشكل نهائي ، لكن بدأنا نرى ملامحها الأولية تتشكل في تحولات كبيرة لامثيل لها في عالم النشر.
لاشكّ إذًا أن شبكة الأنترنيت استطاعتْ فرض رؤية جديدة لمفهوم المسافة بأبعادها الفيزيائية والثقافية والاجتماعية، ولم يعد على الكتّاب والمبدعين الانتظار طويلاً على عتبات أبواب الناشرين ومسؤولي الصفحات الثقافية المقيدين بدورهم بتعقيدات المساحة ومتطلّبات السياسات التحريرية.
ولكن مع الاعتراف بالمزايا المتعددة للنشر الالكتروني، مازالت هناك الكثير من التساؤلات والمشاكل المتعلقة بالطريقة والنوعية المرتبطة بسهولة هذا النوع من النشر. بالإضافة إلى عدم وضوح حقوق الملكية الفردية وإمكانيات القرصنة غير المحدودة المُتاحة في أثير الشبكة العنكبوتية، مما يترك معايير هذا النشر عبر الشبكة ضبابية وغير واضحة المعالم.
نعي في مجلة المهاجر سلبيات وإيجابيات هذه الظاهرة الجديدة، ورغبةً منّا في مناقشة أوسع لهذا الواقع الجديد وإلقاء الضوء على جوانب مختلفة منه، نفتح هذا الملف لسماع آراء مهمّة من مثقفين وأدباء ناشطين في عالم النشر من مواقع مختلفة لفهم موقع هذا الوسط الجديد ومكانته في عالمنا الثقافي العربي، وسبر مستقبل هذا النشر من وجهات نظر مختلفة، طارحين بعض الأسئلة تشكل جزءًا ممّا يُمكن أن يُسأل أو يُقال في هذا الموضوع.
أسئلة
- مار أيكم بظاهرة النشر الالكتروني كظاهرة حديثة العهد في عالم النشر العربي الثقافي والأدبي ؟ هل ترون أنها أسهمت بشكل إيجابي في تسهيل وصول الكلمة إلى القارئ ، أم أنها أخلّت بمعايير النشر على حساب نوعية المادة وصدقها؟
- هل ترون في مستقبل النشر الالكتروني أداة ستبقى تابعة لأدوات النشر الورقي ، أم ترون لهذا النشر ( الالكتروني) مستقبلاً يتبوأ فيه مكانة الصدارة في عالم النشر ويحتل مكانًا مرموقًا في عملية توصيل النص والكلمة إلى القارئ العربي؟
- هل تعتقدون أن النشر الالكتروني في العالم العربي أساء إلى اهتمام القارئ بالمنتوج الإبداعي العربي، أم أنه زاد من اطلاع هذا القارئ على الإنتاج الثقافي العربي وقدرته على التواصل مع الكاتب ؟
- هل تعتقدون أن النشر الالكتروني ساهم في إعطاء فرصة أكبر للمواهب الثقافية والأدبية العربية في إسماع صوتها والتعريف بنفسها في الوسط الثقافي العربي؟
- هل تعتقدون أن هناك حاجة لتحديد معايير أكثر وضوحا وأكثر صرامة ( حقوق ملكية فكرية، حقوق نشر، الخ...) للنشر الالكتروني، أم أنه من الأفضل لو بقي هذا النشر دون حدود ومعايير واضحة بشكل فضاء مفتوح دون قيود..؟ وإذا كان رأيكم بضرورة المعايير، من يتحمل المسؤولية في ذلك؟
"النشر الالكتروني سيُغيّر بشكل جذري وتدريجي ملامح عالم النشر كما نعرفه اليوم".
ليس هذا رأيًا شخصيًا، بل مقولة تتردّد كثيرا على صفحات الدوريات الثقافية الغربية في شكل نبوءةٍ لاتمت بصلة إلى تداعيات الخيال الأفلاطوني. فالمسألة اليوم على مايبدو لم تعد تتعلّّق بشرعية هذا النشر أوانتشاره أو قدرته على البقاء ؛ هذا الموضوع قد حُسِمَ برأي الكثيرين وتم الانتهاء من مناقشته. بل تتعلّق بمقدار التأثير والتغيير الذي سيحدثه النشر الالكتروني وانتشار استعمال الأنترنيت – في البلدان العربية خاصة- على النص الطباعي التقليدي وعلاقته مع قارئه ( التقليدي أيضا) في هذه الحقبة من تطور البشرية.
إذا أخذنا بالأرقام التي يذكرها الباحث التونسي الأستاذ الحبيب الإمام في كتابه "الاقتصاد الثقافي"، نقرأ أن معدل نشر الكتاب في العالم العربي لم يتجاوز نسبة 0.7 % بحساب النسبة المئوية لحركة نشر الكتاب في العالم في حين تصل نسبة النشر بأوروبا إلى 54% و23% في آسيا حسب آخر تقارير اليونسكو. وضمن متعة استعراض الأرقام الدالة على الحركة الثقافية العربية، نقرأ أنه في مجال توزيع الصحف عبر العالم لم يتجاوز نصيب الدول العربية 1.52%، بينما تتجاوز نسبة توزيع الصحف في أوروبا 24%.
طبعًا لاأحد ينكر ارتباط هذه الأرقام بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي، ولكن تصدمنا هذه الأرقام في حجم تخلفها عن الأرقام العالمية.
تى ظهور الكومبيوتر في منتصف القرن العشرين، ونتاجاته المتمثلة بالنشر الالكتروني وغيره، ليشكل امتدادًا للثورة الطباعية، وإذا أردنا التركيز على قراءة النتاج الأدبي، فمن الصعب على أي شخص إعطاء أرقام دقيقة عن أعداد القرّاء لقصيدة شعرية عبر الأثير، لكن تواجهنا الصعوبة نفسها في تقدير عدد القراء لنفس القصيدة لو كانت منشورة في إحدى الملاحق الثقافية لإحدى الصحف. ويبقى في خانة المتحمسين للنشر الالكتروني قدرة التأكيد على الأقل أن أي نص عبر الأنترنيت سيكون بالإمكان قراءته في أماكن ومن قرّاء لاتحلم أي مطبوعة بالوصول إليهم. هذه الحريّة في الإبداع وهذا السحر الخاص المُلازم لفورية وعفوية النقل والتلقي يقذفان بنا ضمن هذا الوسط الجديد في مغامرة من نوع جديد، من الصعب الحكم عليها بشكل نهائي ، لكن بدأنا نرى ملامحها الأولية تتشكل في تحولات كبيرة لامثيل لها في عالم النشر.
لاشكّ إذًا أن شبكة الأنترنيت استطاعتْ فرض رؤية جديدة لمفهوم المسافة بأبعادها الفيزيائية والثقافية والاجتماعية، ولم يعد على الكتّاب والمبدعين الانتظار طويلاً على عتبات أبواب الناشرين ومسؤولي الصفحات الثقافية المقيدين بدورهم بتعقيدات المساحة ومتطلّبات السياسات التحريرية.
ولكن مع الاعتراف بالمزايا المتعددة للنشر الالكتروني، مازالت هناك الكثير من التساؤلات والمشاكل المتعلقة بالطريقة والنوعية المرتبطة بسهولة هذا النوع من النشر. بالإضافة إلى عدم وضوح حقوق الملكية الفردية وإمكانيات القرصنة غير المحدودة المُتاحة في أثير الشبكة العنكبوتية، مما يترك معايير هذا النشر عبر الشبكة ضبابية وغير واضحة المعالم.
نعي في مجلة المهاجر سلبيات وإيجابيات هذه الظاهرة الجديدة، ورغبةً منّا في مناقشة أوسع لهذا الواقع الجديد وإلقاء الضوء على جوانب مختلفة منه، نفتح هذا الملف لسماع آراء مهمّة من مثقفين وأدباء ناشطين في عالم النشر من مواقع مختلفة لفهم موقع هذا الوسط الجديد ومكانته في عالمنا الثقافي العربي، وسبر مستقبل هذا النشر من وجهات نظر مختلفة، طارحين بعض الأسئلة تشكل جزءًا ممّا يُمكن أن يُسأل أو يُقال في هذا الموضوع.
أسئلة
- مار أيكم بظاهرة النشر الالكتروني كظاهرة حديثة العهد في عالم النشر العربي الثقافي والأدبي ؟ هل ترون أنها أسهمت بشكل إيجابي في تسهيل وصول الكلمة إلى القارئ ، أم أنها أخلّت بمعايير النشر على حساب نوعية المادة وصدقها؟
- هل ترون في مستقبل النشر الالكتروني أداة ستبقى تابعة لأدوات النشر الورقي ، أم ترون لهذا النشر ( الالكتروني) مستقبلاً يتبوأ فيه مكانة الصدارة في عالم النشر ويحتل مكانًا مرموقًا في عملية توصيل النص والكلمة إلى القارئ العربي؟
- هل تعتقدون أن النشر الالكتروني في العالم العربي أساء إلى اهتمام القارئ بالمنتوج الإبداعي العربي، أم أنه زاد من اطلاع هذا القارئ على الإنتاج الثقافي العربي وقدرته على التواصل مع الكاتب ؟
- هل تعتقدون أن النشر الالكتروني ساهم في إعطاء فرصة أكبر للمواهب الثقافية والأدبية العربية في إسماع صوتها والتعريف بنفسها في الوسط الثقافي العربي؟
- هل تعتقدون أن هناك حاجة لتحديد معايير أكثر وضوحا وأكثر صرامة ( حقوق ملكية فكرية، حقوق نشر، الخ...) للنشر الالكتروني، أم أنه من الأفضل لو بقي هذا النشر دون حدود ومعايير واضحة بشكل فضاء مفتوح دون قيود..؟ وإذا كان رأيكم بضرورة المعايير، من يتحمل المسؤولية في ذلك؟